الحياة مثل علبة شوكولاته، لا تستطيع أبداً أن تعرف ما الذي ستحصل عليه!

فيلم الجوكر: تحفة فنية غيّرت مفهوم “أفلام الكوميكس”

بدايات ظهور فيلم الجوكر

عند الإعلان عن فيلم الجوكر (Joker) في 2017 تم إدراجه فورًا بقوائم الأفلام المُنتظرة. وزادت درجة الترقب لعرض الفيلم بعد ما حققه من نجاحات في الفعاليات السينمائية الدولية التي شارك بها. الفيلم من بطولة “خواكين فينيكس” و “روبرت دي نيرو” وإخراج “تود فيليبس” الذي كتب السيناريو أيضاً بالاشتراك مع “سكوت سيلفر”.

كان واضحاً من البداية أن فيلم Joker يختلف كلياً عن أفلام الكوميكس والأبطال الخارقين التي تزايدت معدلات إنتاجها بالسنوات الأخيرة. متمرداً على المقومات الفنية المعتادة بهذا النمط من الأفلام. وكان السؤال الأكثر إلحاحاً هل ذلك الاختلاف سيكون في صالحه أم سيجعل منه مسخاً مشتتاً ما بين تصنيفات فنية مُتباينة. لكن بعد طرح الفيلم عالمياً حصلنا أخيراً على الإجابة.

(قد يحتوي هذا الموضوع على حرق لبعض أحداث فيلم الجوكر)

قصة فيلم الجوكر

تدور أحداث فيلم الجوكر حول “آرثر فيلكس” المهرج البسيط الذي يطمح إلى أن يكون أحد أشهر مقدمى العروض الكوميدية والذي يعاني في الأصل من خلل عقلي ونفسي. يتعرض للعديد من مظاهر القهر والاضطهاد التي تؤدي لإخراج أسوأ ما به وتحوله إلى شخص آخر.

Joker

Joaquin Phoenix, Robert De Niro

سيناريو فيلم الجوكر أحادي الخط متعدد المحاور

يتبع سيناريو فيلم الجوكر خطاً درامياً رئيسياً وحيداً من البداية للنهاية ويستعرض أحداثه كاملة من منظور ورؤية شخص واحد هو “آرثر فيلك”. لكنه أيضاً -بحرفية شديدة- استغل الشخصية في تسليط الضوء على واقع مدينة جوثام التي تعاني من مختلف الأمراض الاجتماعية. على عكس كافة الأعمال التي تصدت لتلك المدينة الخيالية الشهيرة -أبرزها أفلام باتمان – لم يصورها مدينة مظلومة تحتاج لمُنقذ يهبط من سمائها بقدر ما صورها مدينة مُظلمة تستحق مُعاقباً يخرج من أرضها من صنيع مجتمعها المفكك الفاسد.

أدرك السيناريو من البداية أنه يستعرض قصة معروفة مسبقاً بالنسبة للمشاهد. ولهذا لم يعتمد في جذب انتباهه على تتابع الأحداث، بقدر اعتماده على الشخصية التي تفنن في رسم وإظهار تفاصيلها لجعلها أكثر إثارة للاهتمام وجعل من صراعها النفسي الداخلي محوراً أساسياً لبنائه. بينما كان تتابع الأحداث المحور الثاني أو الثانوي. وهذا لا يعني -على الإطلاق- خلو الفيلم من المفاجآت والالتواءات التي برع السيناريو في توظيفها عند نقاط محددة لزيادة جرعة التشويق وإثارة تساؤلات لدى المشاهد تحفزه على الاستمرار بالمتابعة.

امتاز سيناريو فيلم الجوكر أيضاً بالإيقاع المتزن الذي لم يتسارع للدرجة التي تفقده المنطق وتخلق فجوات في بنائه ودون التباطؤ للدرجة التي توقعه في شرك الرتابة. استطاع بذلك جذب انتباه وتركيز المتلقي من المشهد الافتتاحي وحتى الخاتمة دون الإحساس بالملل بأي فصل من فصول الفيلم.

التجسيد السهل الممتنع مجسد الجوكر فيلم الجوكر 

هناك شبه إجماع على استحقاق خواكين فينيكس لجائزة الأوسكار لأفضل ممثل رئيسي هذا العام. وبعيداً عن تلك الترشيحات فإن خواكين فينيكس قدم أداءً مذهلاً لشخصية “آرثر فيلك”. وقد جاء متقناً ومتزناً برغم غرابة الشخصية، ولم يكن في أدائه أدنى قدر من المغالاة أو المبالغة.

لعل الاختبار الأصعب الذي واجه خواكين فينيكس كان أن الشخصية تمر بتحولات عديدة وتغيرات جذرية خلال فترة زمنية قصيرة. إلا أنه تمكن من التنقل بين تلك المراحل بأسلوب السهل الممتنع وتم الأمر بهدوء تام. فقد شاهدنا على مدار مدة العرض شخصية الجوكر تنسلخ شيئاً فشيئاً من آرثر. فهي كامنة بداخله منذ المشهد الأول ولكنه يظهر جانباً منها بشكل تدريجي مع كل موقف يتعرض له وكل حقيقة يكتشفها.

برع خواكين فينيكس كذلك في عكس مشاعر شخصيته المتضاربة والمتخبطة سواء مشاعر القهر والحزن المختنق بها من البداية أو مشاعر الكراهية والنقم التي تتنامى بداخله تدريجياً. هذا بالإضافة إلى مشاعر الأمل في بلوغ الحلم التي كانت تتملكه من آن لآخر. هذا كله من خلال شخص في الأصل يعاني من درجة من درجات الاضطراب العقلي. الأروع أنه كان يتم الانتقال بين كل هذا بهدوء واتزان شديدين.

إنتاج فيلم الجوكر

عند تناول فيلم الجوكر لابد من التوقف أمام عناصر تصميم الإنتاج التي كانت من أبرز العناصر الفنية بالفيلم وأكثرها تأثيراً ولولاها لفقد قدراً كبيراً من روعته. حيث كانت مواقع التصوير -المُختارة بعناية- وعناصر الديكورات الداخلية والخارجية مُعبرة تماماً عن مكان وزمن الأحداث.

لم يقف دور تلك العناصر على نقلنا بالزمن عدة عقود للوراء فحسب. إنما ساهمت أيضاً في التعبير عن طبيعة الحياة داخل مدينة جوثام -مدينة الشيطان- الغارقة في الفوضى والغوغائية والتي تعاني من داء الطبقية المتفشي. حيث تضم فئة من فاحشي الثراء بينما يعاني معظم سكانها -ومنهم البطل الرئيسي- من الفقر المدقع.

كان تصميم الملابس أيضاً مميزاً بقدر كبير وخاصة أزياء شخصية “آرثر فليك” في مراحله المختلفة. لعل أبرز ما يميزها أنها برغم غرابة تكوينها كانت واقعية تماماً ومتماشية مع العصر الذي تدور به الأحداث. حتى زي المهرج في بداية الفيلم بدا منطقياً تماماً ولكنه جاء فوضوياً وغلبت عليه الألوان الداكنة والباهتة المستمدة من أعماق مُرتديها.

إخراج فيلم الجوكر

ينحصر تاريخ المخرج تود فيليبس قبل فيلم الجوكر في عدد من التجارب الكوميدية. كان بعضها على قدر من التميز مثل فيلم The Hangover الذي رغم نجاحه لم يلفت النظر إلى مخرجه بالقدر الكافي. مما يجعل الجوكر بكل تأكيد نقطة فاصلة في مسيرته.

تمكن المخرج من تقديم فيلم بالغ التميز يمكن تصنيفه بأريحية ضمن أفضل الأفلام بالسنوات الأخيرة. إذ برع في الدمج بين أدواته الفنية لتقديم صورة سينمائية غنية بالتفاصيل. جاءت معظم كادراته مبهرة ومعبرة من حيث التكوين مستغلاً في ذلك كل عنصر متاح أمامه من ألوان وإضاءة وظلال بجانب زوايا التصوير.

استطاع المخرج إقناع الشركة المنتجة بتقديم فيلم بتصنيف (R). حيث ضَمّن فيلمه مشاهد إثارة شديدة العنف والقسوة تتماشى مع طبيعة الشخصية السيكوباتية. وفي ذات الوقت يُحسب له عدم الإفراط في هذه المشاهد. فقد كانت محدودة جداً وتركزت في المناطق الفاصلة مما زاد تأثيرها النفسي وتأثيرها على الأحداث.

فيلم الجوكر

نجاح فيلم الجوكر

يتخطى فيلم الجوكر كونه فيلماً مميزاً إنما يمكن اعتباره تجربة سينمائية مستقلة ومتفردة. إذ نجح في التحرر من القالب المعتاد للأفلام المقتبسة من الكوميكس متخلصاً من عيوبها ومُستغنياً عن مميزاتها. فكان الرابط الوحيد بينه وبين القصص المصورة الشخصية الرئيسية التي تصدى لها من منظور خاص واستعرضها بشكل مختلف ومبهر ومتقن.

وضعنا فيلم “جوكر” قبل عرضه أمام سؤال مُلح وبعد عرضه طرح سؤالاً آخر أكثر إلحاحاً. ما مدى تأثيره على صناعة أفلام الكوميكس بالمستقبل؟ وهل بمقدوره فتح الباب أمام المزيد من التجارب الجريئة الخارجة عن النمط المعتاد. والتي منها مشاريع كانت قائمة بالفعل وتم إهمالها مثل مشروع فيلم Batman: Year One للمخرج دارين أرنوفسكي؟ سوف ننتظر للحصول على إجابة ولكن في اعتقادي الشخصي ستكون الإجابة بـ”نعم” ولن ننتظرها طويلاً.

– منقول من موقع آراجيك (Arageek) –

شارك بتعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

انضم إلى قائمتنا البريدية

كيف نستطيع خدمتك؟

يسعدنا الرد على استفساراتكم من خلال التعليقات أو الرسائل

تواصل معنا