الحياة مثل علبة شوكولاته، لا تستطيع أبداً أن تعرف ما الذي ستحصل عليه!

أفكر في إنهاء الأمور..!

ظروف إنتاج فيلم أفكر في إنهاء الأمور

لكل إنسان على وجه الأرض خبايا داخل عقله، وحكايات عالقة يحاول حسمها على الدوام، لذلك نكتب ونرسم ونغني. ولذلك أيضًا وجدت السينما، فهي شكل من أشكال التعبير عن مكنونات دواخلنا.

ورغم فرض الحظر على معظم دول العالم منذ بداية عام 2020، وانتشار جائحة كورونا وما ترتب عليها من إجبار الجميع على الالتزام في البيوت للحد من انتشار الفيروس. تمكن فيلم (أفكر في إنهاء الأمور I’m Thinking Of Ending Things) من الخروج إلى النور. وهو من كتابة وإخراج تشارلي كوفمان، ومأخوذ عن رواية تحمل نفس الاسم للكاتب إيان ريد، وعرض على نتفلكس للمرة الأولى في الرابع من سبتمبر 2020، كما تمكن من حصد تقييم مرتفع، وحاز على إعجاب كثير من مشاهديه.

(قد يحتوي هذا الموضوع على حرق لبعض أحداث الفيلم أفكر في إنهاء الأمور)

طبيعة فيلم أفكر في إنهاء الأمور

يجمع الفيلم جانبين مختلفين دون وجود روابط واضحة بينهما، الأمر الذي يدفع المشاهد للوهلة الأولى إلى التساؤل عن مدى الترابط بين الجانبين. لكن متابعة المشاهدة بالتأكيد ستجيب عن كافة الأسئلة.

يأخذ تشارلي كوفمان المشاهدين في رحلة داخل رؤوس أبطال الفيلم. ففي طقس شتائي جميل تذهب فتاة برفقة حبيبها جيك إلى بيت عائلته للتعرف عليهم، ويتبادل الحبيبان الحديث. بينما تتشابك في رأس الفتاة سلسلة غير منتهية من المشاعر والأفكار.

في الجانب الآخر يجلس رجل طاعن في السن، يعمل عامل نظافة في مدرسة للمرحلة الثانوية، يغلب الهدوء على تقاسيم وجهه.

ثمة ربط يجمع بين مشاهد الحبيبين والرجل العجوز. ففي أحد المشاهد ينظف الرجل مسرح المدرسة، ثم يبدأ بمراقبة الطالبات أثناء التدرب على أداء أدوارهن في مسرحية أوكلاهاما الموسيقية. بينما في الجانب الآخر يتبادل الحبيبان الحديث حول المسرحية نفسها.

ثم يتبين لنا أن بيت الرجل الطاعن في السن يشبه بيت عائلة جيك، وملابس الرجل العجوز موجودة في غسالة داخل القبو الخاص بعائلة جيك. بالإضافة لوجود عدد من الرسمات الخاصة بالفتاة في القبو ذاته، في ربط مذهل يفتح الباب أمام الكثير من الأسئلة.

أفكر في إنهاء الأمور

I'm Thinking of Ending Things

2020 – IMDB: 6.6
Jesse Plemons, Jessie Buckley

قصة فيلم أفكر في إنهاء الأمور

يصنف فيلم (أفكر في إنهاء الأمور) ضمن فئة أفلام الرعب والتشويق. ويعد التجربة الأولى للمخرج في هذا النوع من الأفلام، لكن الرعب هنا مختلف تمامًا عن الرعب الاعتيادي. فهو رعب نفسي قائم على الغموض والمشاعر غير المألوفة بالنسبة لأبطال الفيلم.

فتبدأ أحداث الرعب في قبو عائلة جيك، وتتبدل الأدوار بين جيك وحبيبته، فتراه الأخيرة في الصور القديمة كأنه هي. وتصبح الأحداث أكثر تشابكا بعد تلقيها مكالمة من صوت غامض عدة مرات. يعكس الفيلم بعدًا فلسفيًا لحياة مختلفة موجودة في عقول أصحابها فقط. لكنهم يحاولون التعبير عنها بوسائل مختلفة لخلق عالم مألوف بالنسبة لهم، والتغلب على المشاعر السلبية كالشعور بالوحدة والفشل. يتجسد ذلك من خلال عدة مشاهد للرجل العجوز الذي خلق لحياته المملة أبعادا أخرى، لا تشبه حياته الحقيقية، لكنها تشكل امتدادًا لها. فتجده يعيش واقعه الرتيب بصمت مرة، ويتجول في ماضيه وذكرياته مرة أخرى، ويسرح بخياله في عالم غير موجود في أوقات أخرى.

العجوز..أساس فيلم أفكر في إنهاء الأمور

ومع تتابع الأحداث يتضح أن العجوز الصامت هو أساس الحكاية وأن الحبيبين شخصيات خيالية موجودة في عقل الرجل العجوز فقط. وأعدهما ليقوما بأدوار افتراضية، نيابة عن ما عجز هو عن القيام به في ماضيه.

وقد ظهر ذلك في تداخل الكثير من الأحداث في الفيلم. ففي أحد المشاهد ألقت الفتاة قصيدة ألفتها قبل أيام، في حين قال لها جيك إن القصيدة تعبر عنه هو. وقد ظهرت القصيدة في مشهد لاحق داخل بيته، في غرفة نومه القديمة، وداخل ديوان لأحد الشعراء.

بالتأكيد هذا ما يعكس معرفة جيك للقصيدة وأهميتها في حياته. لذلك ربطها بحبيبته الخيالية وطلب منها أن تلقيها، وقد جسد جيك في الفتاة صفات جميع الفتيات التي تمنى لو كن جزءا من حياته في مراحلها المختلفة. لذا نراها في الفيلم لا تحمل اسما محددا، بل حملت عدة أسماء.

ويخلق الفيلم العديد من التساؤلات في أذهان المشاهدين، الفتاة تفكر في إنهاء الأمور لكننا لا نستطيع تحديد هذه الأمور بدقة. فهي تعطينا الأسئلة ولا تمنحنا كل الإجابات.

فلربما أرادت التمرد على واقعها، أو إنهاء قصة الحب التي حملت فيها أسماءً عدة وأفكارا متداخلة. أو إنهاء وجودها في ذهن العجوز الحالم.

في الجزء الأخير من الفيلم يطل علينا بطلنا العجوز وقد تخيل نفسه جيك أثناء تسلمه جائزة نوبل. ويلقي جيك في هذا المشهد خطابًا شاعريًا لحبيبته التي تجلس بين جموع الجماهير بملامح مختلفة بعد أن غطت التجاعيد وجهها.

لماذا حكاية أفكر في إنهاء الأمور؟!

يظهر جليًا من خلال الفيلم أهمية الخيال في حياة الإنسان، فهو قادر على خلق حياة جديدة مختلفة كليا عن الحياة الواقعية، بتفاصيل مترابطة أو متباعدة. كما يهون على صاحبه ثقل أيامه ووحدته فيعزله عن الانغماس في السلبية ويمنحه فسحة أمل يطل منها على الحياة.

وتطرق الفيلم لمشهد رومانسي، ظهر فيه الرجل العجوز أثناء تناوله وجبة الغذاء خلال استراحة العمل، وهو يشاهد فيلمًا رومانسيًا عن قصة حب جمعت بين شاب وفتاة تعمل نادلة في مطعم. لكن النادلة طردت من عملها بعد أن اعترف لها الشاب بحبه أمام الجميع.

هذا المشهد تحديدا يعكس نظرة مخرج وكاتب الفيلم من المشاهد الرومانسية. فهي بالنسبة له مشاهد غير واقعية وتعمل على صرف أذهان الفئة الشابة عن الحياة الحقيقية وتبني أفكار غير منطقية لا يمكن تطبيقها بسهولة.

وتشارلي كوفمان من الشخصيات الهامة في الولايات المتحدة الأمريكية. فهو كاتب ومنتج ومخرج سينمائي، ترشحت عدد من أفلامه لجوائز الأوسكار، وقد اختارته مجلة تايم الأمريكية في عام 2004، من ضمن أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم لذلك العام.

ويعتبر فيلم (أفكر في إنهاء الأمور) عودة قوية وموفقة لكوفمان. وقد صدر الفيلم في وقته رغم ظروف جائحة كورونا التي شكلت عائقا أمام الكثير من الأفلام عام 2020، وحالت دون عرضها في الموعد المقرر.

أفكر في إنهاء الأمور

أنا أفكر في إنهاء الأمور

وقد سبق لكوفمان خوض تجربة الغوص في دواخل العقل البشري وخيالاته من خلال فيلم Eternal Sunshine of the Spotless Mind. بالإضافة لأفلام أخرى تتبنى نهج مشابه دون التطرق إلى الرعب النفسي. ما يعني أن كوفمان يؤمن بتأثير الخيال وما يضمره الإنسان في داخله، على مجرى حياته.

وقد لقيت أفكاره إعجابا واسعا من جمهوره، لأنه بنسبة كبيرة يعبر بتجرد عن الإنسان، دون أن يحمل ذلك في طياته ثقلا على المشاهد.

فيلم (أفكر في إنهاء الأمور) وأفلام كوفمان عموما تظهر لنا أشكالا مختلفة من الصراع. فهي لا تتبنى التعقيد من خلال السرد بل تظهر أن الصراع داخل العمل قد يكون بسيطًا لكنه يحمل معاني عميقة ومتجذرة. فجميع المشاعر الإنسانية تستحق أن تأخذ على محمل الجد لأنها قد تقودنا إلى أبعاد أخرى أو تمنحنا مفاتيح وتفسيرات لأمور. فقد يرتبط الصراع بأحداث الحياة اليومية أو حالة الطقس، لكنه لا ينتهي عنده.

ويمكن اعتبار الفيلم عمل سينمائي مميز ومتكامل من حيث قوة السيناريو وبراعة الإخراج والتصوير والاختيار المناسب لأبطال الفيلم. بالإضافة إلى ربط الأحداث بالطقس والأماكن. وهو ما يدفع المشاهد إلى التسمر أمام الشاشة لاستكمال المتابعة بنهم.

 أفكر في إنهاء الأمور
آية

آية جودة

كاتبة مقالات حصرية لموقع أفلام بلا حدود. صحفية وكاتبة محتوى فلسطينية.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

انضم إلى قائمتنا البريدية

كيف نستطيع خدمتك؟

يسعدنا الرد على استفساراتكم من خلال التعليقات أو الرسائل

تواصل معنا